الخطبة الأولى: 30997 – 1440ربیع الثانی13
توصیة بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصیکم و نفسی بتقوی الله و اتباع أمره و نهیه و أحذرکم من عقابه.
الموضوع: الاخلاق الاسلامیة (الاخلاق الإلهیّة) (نهیُ النفس عن اتِّباعِ الهوى)
من یتأمَّلْ حیاةَ کثیرٍ من أبناءِ الأُمّةِ والمِلَّة، لَوجدَ أنّها لا تَمُتُّ لتعالیمِ القرآنِ والشرعِ بأیِّ صِلةٍ. فی الوقتِ الذی تُتْلى علیهم آیاتُه آناءَ اللَّیلِ وأطرافَ النهارِ، وکأنّهم استَبْدَلوا الذی هو أدنى وفیه الضِّرارُ، بالذی هو خیرٌ وبِهِ الوَقارُ. فما أکثَرَ التعَدِّیاتِ الموجودةَ! وما أفظَعَ المُمارَساتِ المردودةَ! ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلیّ العظیم.
فأینَ تکمُنُ- فی هذا التناقضِ الفَجِّ- مَواطِنُ الخَلَلِ؟ وما السبیلُ المُفْضی لِکَشْفِ فِخاخِ الزَّلَلِ؟ کی لا نکون ممّن یستمِعون القولَ الحَسَنَ أو یسمَعون، ثمّ عن تطبیقِهِ یُعْرِضون؛ مُتَشَبِّهین- والعیاذُ بالله- بمن حَقَّ علیهم القولُ، وذَمَّهُم الباری بالقَوْل: "مِنَ الَّذِینَ هَادُوا یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَیَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَیْنَا وَاسْمَعْ غَیْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَیًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِی الدِّینِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَکَانَ خَیْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰکِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِکُفْرِهِمْ فَلَا یُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِیلًا".
عبادَ اللهِ! "اعْلَمُوا أَنَّه مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّه شَیْءٌ إِلَّا یَأْتِی فِی کُرْه ـ ومَا مِنْ مَعْصِیَةِ اللَّه شَیْءٌ إِلَّا یَأْتِی فِی شَهْوَةٍ ـ فَرَحِمَ اللَّه امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِه وقَمَعَ هَوَى نَفْسِه ـ فَإِنَّ هَذِه النَّفْسَ أَبْعَدُ شَیْءٍ مَنْزِعاًـ وإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِیَةٍ فِی هَوًى".
فلا خَلاصَ مِنْ استحکامِ الشهواتِ، ولا مَنْجاةَ من تَفَشّی المُنْکَراتِ، إلا بنهیِ النفسِ عن هواها، وقَمْعِ ما تُسَوِّلُ لَها ظُنُونُها وَمُناها. فَأَکْرِمْ بِهِ خُلُقاً إلهیّاً رفیعاً! وأَعْظِمْ بِهِ سلوکاً إنسانیّاً بدیعاً! ألا تسمعون قولَ ربِّنا فی کتابه الکریم؛ یوصی نبیَّه داودَ (ع) محذِّراً إیّاه من اتِّباع الهوى لمّا أَوکَلَ إلیه مَهَمَّة الخلافةِ فی أرضه: " یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَکَ خَلِیفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْکُم بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُواْ یَوْمَ الْحِسَابِ".
وسنُفْرِدُ خطبتَنا للحدیث عن "نهی النفس عن اتِّباعِ الهوى" بما یسمحُ لنا به الوقتُ المتاحُ ضِمنَ سلسلة الأخلاق الإلهیّةِ؛ عسى أن یجعلنا فی زمرة عبادِه الذین بشَّرَهم بالفلاحِ، وهَداهُم إلى نهجِ الصَلاحِ، واصفاً إیّاهم بقوله: "الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِکَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ".
معنى اتّباع الهوى المذموم وخطورته
الهوى-عبادَ الله- مَیْلُ الطبعِ إلى ما یشتهیه ویلائمه؛ فالإنسانُ- بذلک- مجبولٌ علیه لضرورة بقائه واستمرارِ حیاتِهِ. و"لولا میلُهُ- کما نُقِلَ عن أحد العلماء- إلى المطعَم ما أکل وإلى المشرَب ما شَرِب، وإلى المنکح ما نکَح. وکذلک کلُّ ما یشتهیه.
فالهوى مستجلِبٌ له ما یفید، کما أنَّ الغضب دافِعٌ عنه ما یؤذی. فلا یَصلُحُ ذَمُّ الهوى على الإطلاق، وإنّما یُذَمُّ المفرِط من ذلک؛ وهو ما یزید على جلب المصالح ودفعِ المَضارِّ. ولمّا کان الغالبُ من مُوافِقِ الهوى أنَّه لا یقف منه على حَدِّ المنتفِع أُطلِق ذَمُّ الهوى والشهواتِ لعموم غَلَبَةِ الضرر".
"وقد یُطلَق الهوى بمعنى المحبّة والمیلِ مطلقًا؛ فیدخُلُ فیه المیل إلى الحقِّ وغیرِه، وربَّما استعمِل بمعنى محبّة الحقِّ خاصّةً والانقیادِ إلیه".
بل إنّ هذا النوعَ من الهوى أحد عواملِ استمرار رکنٍ هامٍّ من أرکان الدین وهو الحجُّ؛ حین دعا نبیُّ الله إبراهیمُ ربَّه أن یُرَسِّخَه فی قلوب المؤمنین کی یؤدّوا مناسِک ربِّهِم: "رَّبَّنَا إِنِّی أَسْکَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِندَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ".
إذن، فالهوى فی الأصل میل النفس إلى ما تهواه، فإن مالت إلى ما یخالف الشرع فهو الهوى المذموم، وإن مالت إلى ما یوافق الشرع فهو الممدوح، وإذا ذُکِر الهوى مطلقًا أو ذُکِر ذمُّه فإنَّما یُراد به الهوى المذموم لأنّه الغالب .
وهوى النفس هو حبّ النفس والتعلّق بها، ومیل الإنسان إلى اتّباع ما یَصْدُرُ عنها سواءً کان خیراً أو شرّاً.
واتّباع أوامر النفس یُعَدّ نوعاً من الشرک بالله لأنّ المطاعَ فی هذه الحالة هو رغباتُ النفس، لا أوامرُ الله، یقول تعالى: " أَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلًا".
فإن کان الأمر الصادر عن النَّفس خیراً ولم یکن فی طاعة الله، فهو مخالف لإرادة الله تعالى وباطلٌ، وإن کان شراً فهو صادر عن النَّفس الأمّارة بالسوء التی تدفعه إلى معصیة الربّ ومخالفة أمره. والمصیبةُ فی هذه الحالةِ أعظمُ؛ ومن کلام لأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) یحذر فیه من اتّباع ذلک الهوى وطول الأمل فی الدنیا: "أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَیْکُمُ ـ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَیَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ ـ وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَیُنْسِی الآخِرَةَ".
الأمرُ الذی یمکن أن یهبِطَ بالإنسان إلى قَعْرِ الذُّلِّ والضلالة الدنیویّةِ، بعیداً عن مَراقی الکمال والعبودیّة الحقیقیّةِ التی أرادها له الباری صاحبُ الربوبیّة؛ یقول تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أَمْرُهُ فُرُطً﴾، ﴿فَلَا یَصُدَّنَّکَ عَنْهَا مَنْ لَا یُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَیْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾.
وأشدُّ أصناف هوى النفس، ما یدفَعُ صاحبَه للتلاعبِ بالدین والابتداعِ فیه فی سبیل تحقیق مآرِبَ شخصیّةٍ ومَصالِح آنِیّةٍ. وکم عانَت الأمّةُ عَبْرَ تاریخِها من هذه النماذجِ الوضیعةِ التی کلَّفَتْها الکثیرَ من الانحرافات الفکریّةِ المأثومةِ، ناهیکَ عن الدماءِ البریئةِ المعصومةِ، ببثِّ الشبهات العَقَدِیّةِ، ونشر الفتاوى التکفیریّة، إرضاءً لأصحاب النفوذ والسلطانِ، واتِّباعاً لخطوات الشیطانِ، حتى أُطلِقَ علیهم أهلُ البِدَعِ والأهواء لتقدیم الهوى على الشرع باسم الدین، ما جعلهم أخطرَ من أتباع الشهوات. وإلا فما أخرجَ الآلافَ لقتل سبط الرسول الإمامِ الحسین (ع) سوى تلک الفتاوى الرخیصة التی استحَلَّت دمَهُ بوصفه خارجیّاً یتقرّبون إلى الله بذلک زوراً وبهتاناً، حتى قال ولده الإمامُ زینُ العابدین (ع): "ولا یوم کیوم الحسین صلى الله علیه، ازدلف إلیه ثلاثون ألف رجل یزعمون أنهم من هذه الأمّة، کلٌّ یتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه، وهو بالله یذکِّرهم فلا یتعظون، حتى قتلوه بغیاً وظلماً وعدواناً".
وهنا کانت مصیبةُ الحسین (ع) فی الأمّة حین واجه انحرافاً فکریّاً کادَ أن یقضیَ على دین جدِّهِ (ص)، واصفاً الحالةَ البائسةَ التی آلَت إلیها بقوله: " ألا ترون أنّ الحق لا یُعمل به، وأنّ الباطل لا یُنتهى عنه. لیرغبِ المؤمن فی لقاء الله محقّاً، فإنی لا أرى الموت إلا الحیاة، ولا الحیاةَ مع الظالمین إلا بَرَماً. إنّ الناس عبید الدنیا والدین لعق على ألسنتهم، یحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّیّانون".
فلا نَعجَبُ بعد ذلک أن یصُمَّ أعداؤه آذانَهم عن الاستماع لمواعظه وخطبِه فی کربلاء، تصدیقاً لقوله تعالى:" فَإِنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا یَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَیْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ".
وفی عصرنا هذا، ألم نجد الفتاوى التکفیریّة تترى خدمةً للاستکبار والصهیونیة وعملائهما لمواجهة خطّ المقاومة فی المنطقة؟ فتکالبَ التکفیریّون من شُذّاذ الآفاق على الشعوب الآمنة فی سوریا والعراق لیرتکبوا أفظعَ المجازر باسم الدین وتحت رایة الظلام داعشَ والنصرةِ، قبل أن یُخْزِیَهم الله ویرُدَّ کیدَهم ویُذیقَهم الهزائمَ الساحقةَ تحت ضربات أبطال المقاومة.
إنّ الحدیث عن اتِّباع الهوى والنهیِ عنه ذو شجونٍ، نترک ما بقی منه للخطبة القادمة إن شاء الله. وقانا الله وإیّاکم من اتّباع الأهواء المُضِلّة. إنّه سمیع مجیب.
أسال الله تعالى أن یجعلنا وإیاکم من أهل البصیرة والمعرفة الحقیقیة الاسلامیة و أن یوفقنا لعبودیته والمجتهدین فی عبادته.
أسأل الله تعالى أن ینصرنا للابتعاد عن اتباع الهوی و اجتناب المعاصی و الذنوب.
وأسال الله تعالى أن یوفقنا و ایاکم و الأمة الاسلامیة جمعا لطاعته و عبادته و أساله تعالى أن یجنبنا المعاصی و الذنوب و أن یوفقنا لننهل من المعارف الدینیة الحقیقیة الاصیلة وأتضرع الیه ان یاخذ بیدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. واستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانیة: 97930 –13ربیع الثانی 1440
اللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله و أمیر المومنین، و العزیزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلا و عقیلة الهاشمیین ، بنت ولی الله، و أخت ولی الله، و عمة ولی الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
أللهم وفقنا لخدمتها فی هذا المکان الشریف، و هب لنا دعائها الزکی ، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسی ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
أیها الاخوة و الأخوات!
ونحن على أعتاب موسم الأعیاد المجیدة لدى إخواننا من أبناء الطوائف المسیحیّة الکریمة وهم یستعدّون للاحتفال بمیلاد نبیّ الله عیسى المسیح (ع)، ومن ربوعِ هذا البلدِ الطیّبِ الذی تمیّزَ عبرَ تاریخِهِ بالتنوُّعِ والتعایشِ بین مختلَفِ أبنائه، یطیب لی أن أرفعَ أحرَّ التهانی إلى أصحاب الغبطة والنیافة من رؤساء الکنائس المسیحیّة وأبنائها متمنّین لهم عاماً میلادیّاً جدیداً حافلاً بالخیر والعطاء والمحبّة، سائلاً الباریَ عزّ وجلّ أن یُعیدَ علینا هذه المناسباتِ المبارَکةَ وأمثالَها بالیُمنِ والخیرِ والبرکةِ والنصرِ.
أیها المؤمنون والمؤمنات!
لقد جرت سنّة الله منذ بدء الخلیقة، بإرسال الأنبیاء والرسل لهدایة البشر نحو السعادة والصلاح. وهم- وإن اختلفت کتبُهم وشرائعُهم تَبَعاً لتعدّد شؤونهم ومقاماتهم- یتّفقون على قیمٍ مشترَکةٍ وأصولٍ جامعةٍ، تعکِس تکاملاً لا تناقضاً، وإلا لم یکن للحوار بین أتباعهم معنىً یؤکِّد علیه القرآن الکریم باعتباره حاجةً عقلیةً ودینیّةً وأخلاقیّةً.
ولنا فی الدعوة القرآنیّة للحوار الإسلامیّ المسیحیّ أروعُ نموذجٍ من خلال مَدِّ جسورِ التواصل على أُسُسِ عناصرِ الجذبِ البنّاءةِ التی تتوافرُ فی الطرف المقابل الذی وصفه بمجموعة من الصفات الحسنة دون انتقاصٍ، منها:
- الرأفة والرحمة
یقول تعالى: "وَقَفَّیْنَا بِعِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ، وَآتَیْنَاهُ الإِنجِیلَ، وَجَعَلْنَا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً".
- التقارب السلمیّ
یقول تعالى: "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِینَ آمَنُواْ الَّذِینَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى"
- القیم الروحیّة المشترکة
یقول تعالى: "مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ. یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُولَئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ"...
وهی قیمٌ یلتقی معهم فیها المسلمون، ما یخلق الأرضیّة المشترکةَ اللّازمة لتأسیس حضارة توحیدیّة إنسانیّةٍ لخیر البشریّة جمعاء.
وإنّ أیَّ محاولةٍ لضرب هذه العلاقة لا تمُتُّ لأیٍّ من الدینَین بصِلةٍ. فانبِذوا کلَّ من یُشعِل نیرانَ الحروب الدینیّة ویدعو لصراع الأدیان والحضارات، واتَّهِموه بتنفیذِ مخطّطاتِ أعداء الإنسانیّة من استکبار وصهیونیّة؛ لأنّ هؤلاء لا یعرفون دیناً سوى أهوائهم الشخصیّة ومصالحِهم المالیّة.
وَلْنعتبِرْ عیدَ میلاد المسیح (ع) یوماً مبارکاً للعالمین وللموحدین جمیعاً؛ إذ صاحبُ الذکرى- لدینا نحن المسلمین- نبی من أنبیاء الله تعالى الذین یجب علینا الإیمان به وتعظیمُه وأمَّه التی سُمِّیَت سورةٌ کاملةٌ باسمها تکریماً. فما أجملَ أن نجسِّد تعالیم الإسلام الأصیلة فی التعایش بتبادل التهانی والزیارات مع إخوتنا المسیحیّین، ولا سیّما عوائلَ الشهداء منهم الذین امتزجت دماؤهم بدماء أبناء خطّ المقاومة دفاعاً عن الوطن والمقدّسات الإسلامیّة والمسیحیّة حتى أثمَرَت نصراً مؤزَّراً.
أیها المؤمنون والمؤمنات!
وبمناسبة الحدیث عن النصر، هاهی بشائرُه تلوحُ على المنطقة ولا سیّما سوریا الحبیبةَ التی سجَّلَت قیادةً وجیشاً وشعباً وقوّاتِ مقاومةٍ داعمةٍ، طوالَ سنوات الحرب الماضیة، أروعَ ملاحِمِ الصمود والفداء، لتحصدَ نتائجَها هذه الأیّامَ من خلال حِراکٍ دبلوماسیٍّ على مستوى المنطقة وخارجَها بهدف التقرُّب منها، وقد شهدنا بعضها مؤخّراً بزیارات ودعواتٍ رسمیّةٍ کی تعود سوریا إلى موقعها الإقلیمی الرائدِ الذی حاول البعض حجبَه عنها فباؤوا بالخزی والعار. لیعودوا کی یطرقوا بابَها من جدید ویفتحوا قنواتِ الاتصال معها بعد إذعانهم بانتصارها واستحالة إخضاعِها وتمریرِ مشاریع الاستکبار والصهیونیّة عبرَها.
أیها الإخوة والأخوات!
کما قال الإمام الخامنئی (دام ظلّه): صحیح أنّ ثمنَ المقاومة مُکْلِفٌ، إلا أنّ ثمنَ الاستسلامِ أغلى بکثیر.
نعم! لقد دفعت سوریا ثمناً باهظاً فی سبیل صون سیادتها وعزّتها ومقاومتها، لکنّه لا یُقارَن بأیِّ شکلٍ من الأشکال بالتداعیات المرعبة التی کانت ستتحمّلُها لو استسلمَت. حینها کانت لتتحوّلَ- لا سمح الله- إلى أداةٍ طیِّعةٍ بید قوى الشرِّ یتقاسمها التکفیریون والدواعش والإرهابیون یسومون شعبَها سوءَ العذاب یذبِّحون أبناءهم ویستحیون نساءَهم وفی ذلکم بلاءٌ من ربِّکم عظیمٌ.
ولکن خسئ الخاسئون. فقد صمدت سوریا وانتصرت بدماء شهدائها وتضحیات أبنائها وصبرهم وصمودِهم بدعمٍ من محور المقاومة، حتى جعلت أعداءها یعترفون صاغرین بهزیمة مشروعهم المشؤوم؛ فالحمد لله الذی جعل أعداءنا من الحمقى. انظروا إلى الأحمقِ ترامب والإدارة الأمیرکیة التی أنفقت آلاف الملیارات من الدولارات لضرب المقاومة، یعلن فشلهُ وفشلَ إدارته على الملأ بإعلان سحب قواته من سوریا على عجلٍ خوفاً ووجلاً من أن یخرجوا بطریقة مذلة على غِرار ما حصل معهم فی العراق، على اعتبار أنهم تعلموا من التاریخ القریب، الذی یقول وبکل صراحة أن أبناء هذه المنطقة لا یرحبون بالأمریکی ولا یتفقون معه- وإن کنت أشکُّ فی امتلاکهم هذه الدرجةَ من الفهم والذکاء- إذ جاء إعلانُ الانسحاب بعد حوالی شهر من إعلان مستشاره للأمن القومی أنّ قواته جاءت إلى هناک لتبقى. فخاب سعیه کما خاب مَن قبلَه ومَن بعدَه. فهنیئاً لأبناء المقاومة هذا النصر الذی لن یزیدهم ذلک الإنجاز إلا صموداً وبصیرةً ویقظةً تجاه نوایا الأمریکان الذین لن یکفّوا عن حیاکة المؤامرات ضدّ أبناء المنطقة.
وستبقى سوریا موحَّدةً مقاوِمةً صامدةً بکافّة أبنائها ودعم خطّ المقاومة لها.
أمّا کلمتی الأخیرة فهی لأولئک العبیدِ المنبطحین الأذِلَاء المراهنین على الشیطان الأکبر، فأقول لهم:
ألم یأنِ لکم أن تثوبوا لرشدکم وتفهموا حقائقَ التاریخ القریب؟
ألم یتخلَّ الأمریکان عن الشاه المخلوع ورَمَوه کالخِرقةِ البالیةِ بعد أن استعملوها لغَسلِ قذاراتهم، وقد کان شرطیَّهم المزعومَ فی الخلیج؟
وهاهم یکرِّرون الموقف نفسَه مع من راهنوا على دعمهم العسکریّ قبل قرار الانسحاب الذی شکّل صفعةً لهم لم یستفیقوا من هَوْلِ صدمتها بعدُ.
ألا یحقّ لنا بعد ذلک أن نردّد معاً شعارَنا الدائمَ: "الموت لأمریکا"
کما اننا نشکِّک فی الوعد الامریکی نفسِهِ، هل سیتحقق عملیاً وقریباً أو لا؟
إیماناً بأنّ من لقبه الامام الخمینی بالشیطان الاکبر لا یعد الا غروراً. فلننتظر ونرى مستبشرین خیراً بوعد الله بالنصر بجلاء الشیطان الآخَرِ الصهیونی من ازض ثالث الحرمین و أولى القبلتین؛ القدسِ الشریف وفلسطین عاجلاً ایضاً تحت ضربات ابطال المقاومة وهم یرددون ونردد معهم شعارَنا الدائمَ: ".. الموت لإسرائیل"
اسمعوا منّی هذه الحقیقة:
هذه المنطقة لأبنائها الصامدین المقاومین، ولا مکانَ للمحتلّین والغزاة والمتخاذلین.
"وَلَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِینَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ"
و أسأله أن ینصر الأمة الاسلامیة ومحور المقاومة والمجاهدین فی کل مکان.
وأسأله تعالى أن ینصر جمیع الشعوب المستضعفة فی مواجهة المستکبرین والصهاینة والمتصهیِنین.
اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.
اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.
اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین.
اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی.
اللهم عجل لولیک الفرج و العافیة و النصر واجعلنا من خیر أعوانه و أنصاره و شیعته و محبیه.
استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله: